( الصفحة 230 )
( الصفحة 231 )
القول في طريق ثبوت هلال شهر رمضان وشوّال
يثبت الهلال بالرؤية وإن تفرّد به الرائي ، والتواتر والشياع المفيدين للعلم ، ومُضيّ ثلاثين يوماً من الشهر السابق ، وبالبيّنة الشرعيّة ، وهي شهادة عدلين ، وحكم الحاكم إذا لم يعلم خطؤه ولا خطأ مستنده . ولا اعتبار بقول المنجّمين ، ولا بتطوّق الهلال أو غيبوبته بعد الشفق في ثبوت كونه للّيلة السابقة وإن أفاد الظنّ 1 .
1ـ يثبت الهلال مطلقاً لا في خصوص الشهرين المذكورين في العنوان باُمور :
الأوّل : الرؤية وإن تفرّد بها الرائي وانحصرت به ، ويدلّ على ثبوت الهلال بها ـ مضافاً إلى إفادتها للعلم الذي هو حجّة عقليّة ، أو الاطمئنان الذي هو حجّة عقلائية ; ضرورة أنّ إحراز العنوان المأخوذ في موضوع الحكم لا سبيل له أولى من العلم وما يقوم مقامه ـ الروايات الكثيرة الدالّة على الثبوت بالرؤية مطلقاً ; سواء كانت مقرونة برؤية الغير أم لا ، وفي بعضها التصريح بذلك .
ففي صحيحة عليّ بن جعفر ، عن أخيه (عليه السلام) قال : سألته عمّن يرى هلال شهر رمضان وحده لا يبصره غيره ، أله أن يصوم؟ قال : إذا لم يشك فيه فليصم وحده ،
( الصفحة 232 )
وإلاّ يصوم مع الناس إذا صاموا(1) . وقد اشتهر ما يدلّ على أنّه يصام للرؤية ويفطر للرؤية(2) .
الثاني والثالث : التواتر والشياع بشرط إفادتهما للعلم ، والثبوت في هذا الفرض واضح ، إنّما الكلام في صورة عدم إفادة العلم ، والعمدة في البحث في هذا المجال هو غير التواتر ; لأنّ فرض ثبوت التواتر مع فرض عدم إفادة العلم لعلّه غير ممكن ; فإنّ التواتر بأنواعه المختلفة لفظيّاً أو معنويّاً أو إجماليّاً يفيد العلم . وأمّا الشياع فربّما يقال فيه بالاعتبار وإن لم يفد إلاّ الظنّ ، ويستدلّ عليه ببعض الأدلّة غير الناهضة لإثبات ذلك . وقد تكلّمنا في هذا المجال في هذا الشرح في كتاب القضاء(3)ـ على ما هو ببالي ـ مثل ما ورد في قصّة إسماعيل وما قال أبوه الإمام (عليه السلام) له ، ولا نرى حاجة إلى الإعادة .
الرابع : مضيّ ثلاثين يوماً من الشهر السابق مع ثبوت أوّله ، ويدلّ عليه :
أوّلاً : أ نّ الشهر في لسان الشرع لا يزيد على ثلاثين ، بل قد ينقص بيوم واحد ، وقد اشتهر عناوين الشهور الإثنتي عشرة التي منها شهر رمضان ، الذي هو موضوع البحث في هذا الكتاب ، ويبدو في النظر أنّ السنة المركّبة من الشهور المشار إليها في باب الخمس ـ الذي يكون من الاُمور المتعلّقة له هو ما يفضل من الربح هي مؤونة السنة عند آخرها ـ هي هذه السنة المعبّر عنها بالسنة القمريّة ،
- (1) مسائل علي بن جعفر : 149 ح 193 ، وعنه وسائل الشيعة 10 : 261 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب4 ح 2 .
(2) وسائل الشيعة 10 : 252 ـ 260 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 3 .
(3) تفصيل الشريعة فى شرح تحرير الوسيلة ، كتاب القضاء : 51 ـ 53 .
( الصفحة 233 )
ولكن لأجل خصوصيّة في الخمس قد ذكرنا هناك تبعاً للماتن (قدس سره) (1) أنّ المراد بالسنة في خصوص باب الخمس هي السنة الشمسيّة .
والوجه فيه إجمالاً ـ وإن فصّلناه هناك ـ : أنّ المؤونة إنّما يكون اختلافها نوعاً باختلاف الفصول الأربعة المتحقّقة في السنة الشمسيّة ، فمع إرادة الشارع وحكمه بتعلّق الخمس بما يفضل عن مؤونة السنة ، فمراده المؤونة الرائجة المختلفة بالاختلاف المذكور طبعاً ، وهذا لا دلالة له على أنّ مراد الشارع من السنة مطلقاً ذلك ، كما لا يخفى .
وثانياً : الروايات الكثيرة الدالّة على أنّ شهر رمضان قد يكون ثلاثين ، وقد ينقص بيوم واحد ، وأنّه يصيب شهر رمضان ما يصيب الشهور من التمام والنقصان ، وفي رواية إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : إن خفي عليكم فأتمّوا الشهر الأوّل ثلاثين(2) .
الخامس : البيّنة الشرعيّة التي هي عبارة عن شهادة عدلين ، ويدلّ على حجّيتها في هذا المقام أمران :
أحدهما : ما يدلّ على حجّية البيّنة في الموضوعات الخارجيّة مطلقاً ، وقد ذكرناه في كتابنا في القواعد الفقهيّة (3)، وببالي أنّا ذكرنا هناك أنّ عنوان البيّنة ـ كما هو المأخوذ في الرواية المعروفة لمسعدة بن صدقة المتصفّة بأنّها موثّقة ، كما أفاده الشيخ الأعظم (قدس سره) في الرسائل(4) ، حيث قال (عليه السلام) في ذيلها : والأشياء كلّها على هذا
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة ، كتاب الخمس : 120 .
(2) تهذيب الأحكام 4 : 158 ح 441 ، الاستبصار 2 : 64 ح 208 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 265 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 12 .
(3) القواعد الفقهيّة 1 : 479 ـ 485 .
(4) فرائد الاُصول (الرسائل) 3 : 351 و 381 .
( الصفحة 234 )
حتّى يستبين لك غير هذا ، أو تقوم به البيّنة(1). والروايات المذكورة في كتاب القضاء الدالّة على أنّ البيّنة على المدّعي ، واليمين على المدّعى عليه أو على من أنكر (2)، وفي رأسها الرواية الحاكية لقول النبيّ (صلى الله عليه وآله) : إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان(3) ـ اصطلاح في الشرع وإن لم يكن له حقيقة شرعيّة مبحوث عنها في الاُصول ، ولا يكون بالمعنى اللّغوي الصرف ، كما يدلّ عليه المقابلة مع الاستبانة في الرواية المتقدّمة ، وقد ذكرنا في ذلك الكتاب(4) أ نّ حجّية البيّنة دليل على عدم حجّية خبر الواحد ـ ولو كان عادلاً ـ في الموضوعات ، وإلاّ تلزم اللغوية في حجّية البيّنة المشاركة معه في العدالة المختلفة في العدد ، فنفس ثبوت الحجّية للبيّنة دليل على عدم ثبوتها في خبر الواحد ، والتفصيل في محلّه .
ثانيهما : ما يدلّ على الاعتبار في خصوص المقام ، مثل :
صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّ عليّاً (عليه السلام) كان يقول : لا اُجيز في الهلال إلاّ شهادة رجلين عدلين(5) . ومن الواضح أنّ الحصر فيها إضافيّ .
وصحيحة حمّاد بن عثمان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) :
- (1) الكافي 5 : 313 ح 40 ، وعنه وسائل الشيعة 17 : 89 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ب 4 ح 4 .
(2) وسائل الشيعة 27 : 233 ـ 235 ، كتاب القضاء، أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى ب 3 وص293 ب25 ح3 ، والمفردات في غريب القرآن : 68 .
(3) الكافي 7 : 414 ح 1 ، وعنه وسائل الشيعة 27 : 232 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى ب 2 ح 1 .
(4) أي القواعد الفقهيّة 1 : 494 ـ 501 .
(5) الكافي 4 : 76 ح 2 ، الفقيه 2 : 77 ح 338 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 286 ، كتاب الصوم ، أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 1 .